من أجل النجاح في عالمٍ سريع التغير تقوده بالتكنولوجيا، يحتاج الشباب إلى أكثر من مجرد المعرفة. تتجلى هذه الفكرة من رسالة واضحة آتيةٍ من خلال استبيانٍ جديد ضم أكثر من 1,500 شاب من "الجيل Z"، الذين يمرون برحلة الانتقال من المدرسة إلى الجامعة ثم إلى سوق العمل. لقد كشف بحث أجرته مؤسسة تعليم نورد أنجليا أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 25 عامًا، عبر ثلاث قارات مختلفة، يدركون تمامًا أن الحصول على درجات جيدة قد يكون أمرًا ضروريًا، لكنه ليس كافيًا. فإلى جانب التفوق الأكاديمي، يرغب شباب الجيل Z الذين شاركوا في الاستبيان من المملكة المتحدة والهند والولايات المتحدة في أن تساعدهم مدارسهم على بناء الثقة من خلال تنمية مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع. وبالفعل، أعرب 70% منهم عن أمنيتهم في الحصول على فهمٍ أفضل لطريقة تفكيرهم وتعلمهم، وذلك لمساعدتهم على الشعور بتوكيد أكبر للذات في المواقف الجديدة والتحديات الصعبة.
إن ما يصفه الكثير من الشباب، رغم كل هذا، هو نظام تعليمي يركز على حفظ المعلومات لاجتياز الاختبارات المصيرية، بينما تُهمَّش المهارات الأخرى وتُعتبر أمورًا ثانوية. لقد حصلت آمي لي على الدرجات المطلوبة لدراسة الأدب الكلاسيكي في جامعة أوكسفورد ، لكنها تقول إن المتطلبات الأكاديمية للجامعة المرموقة كانت بمثابة "صدمة ثقافية"، لأن مدرستها البريطانية لم تعلّمها كيف تفكر بشكلٍ مستقل وتخطط لنفسها أو تتأمل في طريقة تعلمها. تقول الشابة البالغة من العمر 24 عامًا "من المهم للغاية أن تساعدنا المهارات التي نتعلمها في المدرسة في حياتنا العملية والمهنية، وليس فقط في اجتياز الامتحانات الدراسية". "كنا نتعلم أن نستمع لما يقوله المعلم ونثق به دون تفكير. ولكن إذا قال لك رئيسك في العمل: "حسنًا، هل لدى أحدكم أي أفكار؟" أو "أود سماع ملاحظاتكم"، فإذا كنت معتادًا فقط على اتباع ما يقوله الشخص صاحب السلطة في الغرفة دون تفكير، فلن تكون لك فائدة كبيرة."
سانات داياني، والذي يعمل في مجال الاستشارات، كانت له تجربة مماثلة في مدرسته في مدينة دلهي. ويقول سانات "يتم إعطاء الطلاب نموذجًا ويُقال لهم: "هذا هو الأسلوب الذي يجب أن تتبعوه"، لأن هذا ما يفرضه نظامنا." "قد لا يكون هذا هو الأسلوب الصحيح لتنمية الفهم، لكنه هو الأسلوب القائم. فالهدف النهائي هو التحصيل الأكاديمي والذي بدوره سيُمكنك من دخول هذه الجامعة أو تلك."
يقول الشباب أن الأنشطة اللاصفية، مثل الرياضة والمناظرات والموسيقى والمسرح، وكذلك العمل التطوعي والبرامج التي خارج المدرسة، هي أدوات مهمة "لبناء الثقة"، لكن ما يحدث في الحصص الدراسية يجب أن يساهم في ذلك أيضًا، من خلال المناقشات داخل الفصل، والتعمق في الموضوعات، والعروض التقديمية، والتحدث أمام الجمهور، وإعطاء ملاحظات لزملاء الفصل. يقول جوشوا مور، وهو خريج درس الموسيقى والبالغ من العمر 25 عامًا والذي يعمل في مجال الاتصالات: "أعتقد أن الكثير من زملائي يشككون في قدرتهم على الاجتهاد أو التعامل مع المشكلات." "وبدلًا من محاولة حل المشكلة بأنفسهم، يلجؤون فورًا إلى طلب المساعدة." ويحذّر من أن الشباب الذين تربوا في عصر المعلومات يلجؤون فورًا إلى هواتفهم عند طرح سؤال عليهم، بدلاً من أن تكون لديهم الثقة في التفكير بأنفسهم.
إيشو غوبتا، المنسقة الأكاديمية في مدرسة أوكريدج الدولية غاتشيباولي، في حيدر آباد، الهند، تتفق مع ذلك. فمن وجهة نظرها، فإن العالم الحديث—بما فيه من هوس بالدرجات والانتشار الواسع للتكنولوجيا— يجعل من الصعب على الأطفال تنمية عادة التفكير في أسلوب تعلّمهم. وتوضح قائلةً "بعض الأطفال يجدون صعوبة في إدراك أهمية الاجتهاد." "لأسباب عديدة، أصبح كل شيء مريحًا للغاية. يمكنك ببساطة البحث في غوغل عن شيءٍ ما والعثور على الإجابة، لكن هذه العادة لا تعزز التعلم العميق ولا تدعم الثقة بالنفس."
مدرسة إيشو هي واحدة من أكثر من 60 مدرسة ضمن مجموعة نورد أنجليا التي تشارك في أحد المشاريع البحثية التي تهدف إلى تعزيز اعتماد الأطفال على أنفسهم في عملية التعلم من خلال ما وراء المعرفة. وذلك يعني تدريب الطلاب على إدراك كيفية تعلمهم، وطريقة تنظيم تعلمهم، والتأمل في عملية التعلم ذاتها. وتُسمي نورد أنجليا هذه المهارة "قوة التعلم الخارقة". في جوهرها، ترتكز منهجية نورد أنجليا على ست سمات أساسية — تُعرف باسم السمات الست — والتي يحتاجها الشباب للنجاح في القرن الحادي والعشرين وهي: حب الاستطلاع، والتفكير الناقد، والإبداع، والالتزام، والتعاون، والتعاطف. وتقوم المدارس بتعليم الطلاب بشكلٍ مباشر "أنماط التفكير" لدعم هذه الطموحات التعليمية بشكل مستمر.
هناك طريقة جيدة لفهم أنماط التفكير، والتي طوّرها المشروع صفر – وهو مركز أبحاث تابع لكلية الدراسات العليا في التربية بجامعة هارفارد، على أنها انطلاق للأفكار، وعلى أنها أداة لتنظيمها. في حصة اللغة الإنجليزية تلاميذ الصف الثامن في مدرسة نورد أنجليا الدولية في أبوظبي، في الإمارات العربية المتحدة، يعمل التلاميذ على تنمية حب الاستطلاع باستخدام نمط تفكير يُسمى "تقشير الثمرة". يقوم الأطفال الذين يدرسون قصيدة جديدة برسم أربع دوائر متحدة المركز. في الطبقات الخارجية، يسجلون المعلومات الظاهرية الواضحة، مثل الكلمات التي تلفت انتباههم. وفي الطبقة التالية، قد يتمعنون في سبب اختلاف طول بعض الأسطر عن غيرها وهيكل القصيدة. بعد ذلك، يتعمقون أكثر في تحليل الأدوات الأدبية التي استخدمها الشاعر، وأخيرًا يصلون إلى جوهر المعنى—ما الذي يحاول الكاتب قوله. إن هذا الأسلوب قد أعان التلاميذ من مختلف المستويات الأكاديمية في المرحلة الثالثة (KS3) على التعامل بنجاح مع شعر المستوى الرفيع، وذلك وفقًا للسيدة كاتي كين، رئيسة قسم التدريس والتعلم والمسؤولة عن ما وراء المعرفة في المدرسة. وتقول كاتي "لا يقتصر دور المعلم على إخبار الطلاب بما يحتاجون إلى معرفته، الأمر الذي سيجعلهم يتوقفون عن التفكير والاكتفاء بتدوين الملاحظات؛ بل إن الطلاب يقودون تعلمهم بأنفسهم وبشكلٍ نشط، بينما يعمل المعلم كمرشد لهم".
الآباء كشركاء في تنمية ما وراء المعرفة
يستطيع الآباء أيضًا مساعدة أطفالهم في تنمية مهارات ما وراء المعرفة. ففي المدرسة البريطانية الدولية بأبوظبي، يتم تقديم طموح تعليمي جديد للعائلات في كل نصف فصل دراسي وتعريفهم به، إلى جانب أنماط التفكير التي تدعمه. يقول المعلم الابتدائي آرون ريغان "لقد كنا نستخدم نمط "انظر، فكّر، تساءل" من أجل تعزيز حب الاستطلاع، ويمكن تطبيقه خارج المدرسة أيضًا". "على سبيل المثال، أثناء زيارة لبرج خليفة، يمكنك أن تسأل أطفالك: "ماذا يثير فضولك بشأن ذلك؟" وتشجعهم على طرح أسئلتهم الخاصة، مثل: "كم يبلغ ارتفاعه؟ ممَّ صُنع؟" ثم تحاولون معًا وتعثروا على الإجابات." أثناء الخلافات مع زملائهم، يمكن للتلاميذ استخدام نمط التفكير المتعاطف "المشاعر والخيارات". فهذا النمط يشجعهم على التفكير في شعور الطرف الآخر والخيارات الأخرى المتاحة أمامه - وهو أسلوب يمكنهم الاستفادة منه لاحقًا على سبيل المثال عند التعامل مع زملاء العمل.
يُعتبر ما وراء المعرفة اكتشافًا للطلاب الذين يرون أنفسهم على أنهم منخفضي التحصيل، وذلك وفقًا للأستاذة جيهواني مبينتو، معلمة العلوم في مدرسة نورد أنجليا الدولية، في شنغهاي، الصين. وتقول جيهواني "عندما يدرك هؤلاء الطلاب الطريقة التي يتعلمون بها على نحوٍ أفضل، يبدؤون في رؤية إمكانياتهم الحقيقية". وتستمر قائلةً "هناك عائق رئيسي أمام الثقة، ألا وهو الخوف من ارتكاب الأخطاء من خلال أن تكون أول من يتحدث، خاصةً في بيئة تعلم باللغة الثانية، لكن أنشطة أنماط التفكير تعالج هذا الأمر وتوفر مشاركةً هادفة." يرى ألكسندر بلات، رئيس قسم اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية في المدرسة، أن التغيرات السريعة في مجتمعنا المعولم — سواء في التكنولوجيا أو السياسة أو أساليب التواصل — جعلت من الصعب القيام بدورٍ مؤثر كمواطن أو موظف. وما يُطلق عليه غالبًا "المهارات الناعمة" يتبين أنها ليست ناعمة على الإطلاق. ويقول "المصطلح لا يُعين على توصيل المعنى". "فهو يجعل هذه المهارات تبدو وكأنها غير مهمة، ولكن في هذه الأوقات الصعبة، فإن حل المشكلات والتعاطف والتعاون هي بالضبط الصفات التي نحتاج إليها." قد يواجه بعض الطلاب صعوبة في فهم قيمة ما يمكن أن تقدمه ما وراء المعرفة. يذكر جيمي روبرتسون، نائب رئيس قسم التربية البدنية في كلية كوليج دو ليمان، في جنيف، جلسة نقاشية في مدرسته حيث أصرت أربع فتيات في سن المراهقة على أن أساليب ما وراء المعرفة مجرد مضيعة للوقت. لكن المعلم أدرك أن المشروع لم يفشل معهن على الإطلاق، بل على العكس، منحهـن الثقة لصياغة حُجة والتعبير عن وجهة نظرهن. ويستطرد قائلًا "كانت الفتيات يستخدمن أساليب ما وراء المعرفة، حيث ناقشن تعلّمهن، وعرضن وجهة نظرهن، لكنهن أيضًا لاحظن تناقضات". "ربما لم يدركن الفائدة التي حصلن عليها في تلك اللحظة، لكنهن سيفعلن ذلك لاحقًا."
ويستمر قائلًا: بالنسبة إلى آرون ريغان، في أبوظبي، فإن البدء مبكرًا هو الطريق السليم: "إذا استطعنا تنمية السمات الست منذ السنوات الأولى وحتى تخرجهم في الصف الثالث عشر، فسيكون لدينا مجموعة قادرة على التفكير بتعاطف ونقد وإبداع وتعاون". "تخيلوا كيف سيكون العالم حينها."
We use cookies to improve your online experiences. To learn more and choose your cookies options, please refer to our cookie policy.