24 July 2024
9 MINS

الذكاء الاصطناعي التوليدي: هل سيجعل الأطفال أذكى أم يجعل الغش أسهل؟

Zofia Niemtus
The Generative Generation - The Generative Generation The Generative Generation - The Generative Generation

في أكتوبر 2023، طلب أحد الآباء رأي بعض الناس على أحد المنتديات عبر الإنترنت بشأن مشكلة قابلته وهي أنه اكتشف أن ابنه "جعل ChatGPT يعدّ له تقريرًا حول كتاب طُلب منه كواجب مدرسي"،

يقول في منشوره، "بصراحة، انزعجت للغاية من عدم مبالاته بشأن الأمر برمته؛ في الحقيقة أفهم إلى حدٍ ما وجهة نظره بأنّه قرأ الكتاب بأكمله ويمكنه عرض تفاصيل القصة بكل دقة، وأنّه لم يستخدم ChatGPT إلا لتجميع

الأفكار التي كانت تدور بالفعل في ذهنه، غير أنّي في النهاية أرى أنّ الغش غش، وأنّ ذلك العمل ليس من نتاج يده، وأنّ فعله هذا بكل بساطة غير أخلاقي".

وما حدث بعد ذلك يلخص ما يعترينا جميعًا من حيرةٍ وخوف بشأن الذكاء الاصطناعي، فقد تراوحت الردود ما بين أسئلة حول إمكانية الكشف عن أثر استخدام هذه التقنية، وأسئلة حول طبيعة المعرفة، وما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيطرق المسمار الأخير في نعش البشرية.

في نوفمبر 2022، كان العالم على موعد مع ChatGPT، وهو برنامج دردشة آلية يسمح للمستخدمين بالتحاور معه حول أي موضوع تقريبًا، وكذلك مطالبته بتنفيذ جميع أنواع المهام، ومنها إعداد التقارير حول الكتب.

لقد كانت هذه لحظة فارقة بالنسبة للذكاء الاصطناعي واستخدامه في جميع المجالات، ومنها المدارس، فقد تبين للمستخدمين أن هذه التقنية يمكن استخدامها لتعميق الفهم لدى الطلاب، وتقديم مستوى رائع من الدعم المخصص لتلبية احتياجات كل طالب على حدة، وتوفير قدر هائل من وقت المدرسين، ولكن ثمة مخاوف كبيرة أيضًا تدور حول هذه التقنية: هل سيستخدمها الطلاب للغش ويجعلونها تؤدي عنهم معظم واجباتهم؟

لقد كانت هذه لحظة فارقة بالنسبة للذكاء الاصطناعي واستخدامه في جميع المجالات، ومنها المدارس، فقد تبين للمستخدمين أن هذه التقنية يمكن استخدامها لتعميق الفهم لدى الطلاب، وتقديم مستوى رائع من الدعم المخصص لتلبية احتياجات كل طالب على حدة، وتوفير قدر هائل من وقت المدرسين، ولكن ثمة مخاوف كبيرة أيضًا تدور حول هذه التقنية: هل سيستخدمها الطلاب للغش ويجعلونها تؤدي عنهم معظم واجباتهم؟

 

هل يجدر بالآباء أن يقلقوا؟ بالقطع "لا".

ثمة تغيير كبير يحدثه الذكاء الاصطناعي في الساحة التعليمية، والسؤال الذي ينبغي للآباء طرحه هو كيف يمكنهم الانتفاع من الذكاء الاصطناعي بينما يتقون أخطاره؛ إنّه توازن يصعب تحقيقه.

 

في أبحاث أجراها مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، تبين أن 58% من الطلاب يستخدمون ChatGPT، وقد أكد 90% من المدرسين أنهم يشتبهون في أن الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي لأداء واجباتهم. 

 

قوبل الظهور المفاجئ لهذه التقنية بردود فعل جنونية ومتسرعة في مجال التعليم. ففي أستراليا، عمدت المدارس الحكومية في كل من كوينزلاند ونيو ساوث ويلز إلى إنشاء جدران حماية في محاولة للحول دون استخدام هذه الأدوات في أوائل العام 2023، بيْد أنها تراجعت عن قرارها لاحقًا في نفس العام، ليخرج وزير التعليم معترفًا بأنهم يحاولون اللحاق بركاب التطور. وعلى نفس الخطى سارت المدارس الحكومية في مدينة نيويورك قبل أن تتراجع عن قرارها في صيف العام 2023

 

وكرد فعلٍ سريع، استُخدمت برامج الكشف عن استخدام الذكاء الاصطناعي لاستبعاد الأعمال التي أنشأتها برامج الدردشة الآلية، غير أنّها ما لبثت أن أفادت مؤسسات عديدة بأن هذه البرامج غير اعتماديها، ليعلن الكثير منها أنها لن تستخدمها بعد الآن للحد من مخاطر الوقوع في الافتراء.   

 

يقول الدكتور فوغان كونولي، الباحث التربوي والأستاذ الزائر مؤخرًا في كلية التربية والتعليم بجامعة كامبريدج، إنه على المدرسين توعية الطلاب بشأن النزاهة الدراسية وأن "يبنوا الثقة" حول استخدام الذكاء الاصطناعي.

 

فهو يؤكد من واقع تجربته أنّ جُلّ الطلاب يرغبون في التعلم وإحراز التقدم بدلاً من الغش وأنهم "قلقون حقًا" من أن "إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي قد يقوض رغبتهم في التعلم"، مشيرًا إلى أنّ المدراس عليها التأكد من الطلاب يدركون حقيقة أنّ جعل التقنية تؤدي عنهم أعمالهم سيحرمهم من تطوير المهارات المتوقعة منهم.

 

ويوضح قائلاً، "هذا أفضل بكثير من محاولة السيطرة عليها باستخدام تقنية أخرى، إذ سيستحيل الأمر إلى سباقٍ تتنافس فيه التقنيات كل واحدة تحاول أن تسبق الأخرى".

 

يقول الدكتور ديفيد جوينر، المدير التنفيذي للتعليم عبر الإنترنت في كلية الحاسبات في معهد جورجيا التقني، إنه عندما بدأ الطلاب لأول مرة في استخدام التقنية في المعهد، كان من السهل إلى حد ما الكشف عن أثر استخدامها. 

 

وفي مايو 2023، طبّق جوينر سياسةً لوضع إرشادات واضحة حول حدود الاستخدام المقبول للذكاء الاصطناعي، ليدرك أنّ هذه الإرشادات "شبه موجودة بالفعل"، لأنّ "القواعد التي تنطبق على التعاون فيما بين البشر هي نفسها التي تنطبق على التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي". وبالتالي، مثلما يدرك الطلاب أنه لا يجوز لأحدهم مطالبة زميله بأن يكتب له مقالاً ثم يقدمه على أنّه هو الذي كتبه، فإنه يتعين عليهم أن يطبقوا نفس القاعدة عند استخدامهم للذكاء الاصطناعي، فالقواعد هي نفسها، إلا أنّ معايير تطبيقها هي التي تغيرت.

 

وهو يشبّه ذلك بظهور التقنيات السابقة: لمّا ظهرت معالجات النصوص، زادت معها التوقعات بأنّ يقدم الطلاب أعمالاً أكثر دقة إذ كان بإمكانهم إعادة النظر فيما يقدمونه ويجرون ما يلزم من تعديلات، وكذلك عندما ظهرت محركات البحث، أصبح من المتوقع أن يبحث الطلاب بشكل أعمق ويجدوا مصادر أكثر دقة.  

 

ثم يطرح سؤالاً، "ما المهمة التي يؤديها الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال معين، وكيف يساعد ذلك الطلاب على تحقيق ما يريده المعلم؟".

 

Generative Generation Break Image 1

 

 

أسبابٌ تسرُّك. الذكاء الاصطناعي يفتح باب التعلم للأطفال.

يقول الدكتور بروس جيديس، نائب مدير المدرسة الثانوية في المدرسة البريطانية الدولية في كوالالمبور، إنّ الذكاء الاصطناعي يمثل "أكبر فرصة أتيحت لنا في حياتنا، في مجالات عديدة، وخصوصًا مجال التعليم".

 

ويضيف قائلاً، "ينظر المدرسون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم باعتباره أمرًا محفوفًا بالمخاطر لأنه سيقتضي منها مطالبة الأطفال بإنتاج الكثير من الأعمال طوال الوقت، ولكن ما يهمنا ليس حجم الأعمال التي ينتجونها، وإنما النشاط الفكري الذي من المفترض أن يتعرضوا له عند إنتاج هذه الأعمال، إذ التفكير هو السبيل الوحيد للتعلم".

 

طوّع الدكتور جيدز التقنية لخدمة طلابه إذ بنى لهم مساعدًا تعليميًا مخصصًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي، من خلاله يحدد المتعلمون الموضوع الذي يريدون البحث عنه ومواصفات المقرر الذي يعملون عليه، ثم يشرع المساعد الافتراضي في استكشاف المحتوى معهم بطريقة حوارية، مما يسمح لهم بطرح الأسئلة خلال هذه العملية التعليمية.

 

والأهم من ذلك أنّ هذه العملية تتضمن مجموعة من الأنشطة التي تجعلهم يمعنون التفكير في المحتوى، بدءًا من استرجاع المعلومات الأساسية وصولاً إلى مهام الاستدلال العميق. وبعد كل ذلك يخضع الطلاب لاختبار قصير ثم يحصلون على موجز لمجالات المتابعة المقترحة.

 

ويستطرد موضحًا أنّ التلاميذ قبل عصر الذكاء الاصطناعي كانوا يقضون أوقاتهم ببساطة في قراءة المذكرات أو الشرائح أو جزء من الكتاب المدرسي، ولكن مع الدردشة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكنهم الآن خوض تجربة تعليمية كاملة تتناول نفس المحتوى، حيث تُتاح لهم الفرصة لطرح عدد لا ينتهي من الأسئلة. 

 

والدكتور جيديس على وشك البدء بتطبيق تجريبي كامل لبرنامج الدردشة، ولكنه يقول إنّ الطلاب قدموا حتى الآن تعقيبات إيجابية للغاية، فالذي أعجبهم بشكل خاص هو أنهم يستطيعون طرح الأسئلة التي ربما لا يسعفهم الوقت في الصف الدراسي لطرحها أو ربما يتحرّجون من طرحها أمام زملائهم، مؤكدًا أنّهم وجدوا هذا البرنامج أكثر جاذبية من الأساليب التقليدية. 

وهذا يسمح بـ "تنويع العملية التعليمية داخل الصف الدراسي بشكل كبير ومذهل"، مع محتوى يكون مصممًا خصيصًا لتلبية احتياجات كل متعلم بدرجة غير مسبوقة. 

 

تقول الدكتورة إيزابيل فيشر، الأستاذة المساعدة في نظم المعلومات في كلية وارويك للأعمال في المملكة المتحدة، إن استكشاف استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتيح أيضًا فرصًا للتعلم، مشيرةً إلى أنه هناك خيارات ثلاثة أمام المحاضرين في الكلية: إما أن يحظروا استخدام الذكاء الاصطناعي أو يسمحوا باستخدامها أو يشجعوا بجدية على استخدامه، فتختار فيشر الخيار الأخير وتكلف طلابها بكتابة فكرة من 500 كلمة حول كيفية استخدامهم له.

وبعد ذلك تطرح سؤالاً، "هل يمكنهم التفكير تفكيرًا نقديًا في أعمالهم وهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإنجازها؟".

 

أنشأت فيشر أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل المقالات، يمكن للطلاب استخدامها لتحميل مقالاتهم قبل إرسالها فيحصلوا منها على تعليقات حول جودتها من حيث سهولة قراءتها وحسن اختيار الكلمات ودقة المراجع المستخدمة.

 

وتؤكد فيشر على أن هدف الأداة ليس استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة المقالات نيابة عن الطلاب، بل مساعدتهم في تحسين كتابتهم، وهذا يساعد الطلاب الذين لا يجدون مصدرًا للدعم، أو الذين قد يعانون مثلاً من عسر القراءة غير المشخّص، مشيرة إلى أنّ ذلك يعزز "ثقتهم بأن ما كتبوه جيد كما لو أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الذي كتبه".

 

Generative Generation Page Break Image 2

 

 

 

رؤية المستقبل، والتفكير السليم.

تحث مدرسة أفينيوز العالمية في نيويورك طلابها على استخدام الذكاء الاصطناعي لإنجاز أعمالهم الدراسية. فعلى سبيل المثال، عندما يُكلّف الطلاب بمشروع لتطوير تطبيق، فإنهم يستخدمون برنامج ChatGPT لإنشاء الجزء الأكبر من الكود البرمجي، ثم يتولون هم مراجعته وتصحيحه وتحسينه، وبحسب ليا موشيلاك، مديرة التقنية، فإن هذا يوفر عليهم "ساعات من العمل اليدوي إذ يستفيدون من الأداة المناسبة بطريقة مناسبة دراسيًا".

 

ولدى المدرسة أيضًا برنامج دردشة آلية خاص بها مدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي يُسمى Savvy أنشئ في العام 2019، وقد أصبح الآن مدعومًا بتقنية الذكاء الاصطناعي المفتوح، إذ يمكنه الإجابة على الاستفسارات وتقديم المعلومات والمشاركة في "مناقشات متنوعة تتراوح ما بين المواضيع الأكاديمية والمحادثات غير الرسمية". 

 

تقول موشيلاك، "نحن ندرك أن طلابنا سيستفيدون كثيرًا من هذه الأدوات خلال مساراتهم الدراسية والمهنية، لذلك نريد التأكد من أنهم لا يفهمون إمكانات هذه الأدوات وقيودها فحسب، بل يمتلكون أيضًا الخبرة العملية في التعامل معها".

 

وتستطرد قائلةً إنّ المدرسة لا تفتأ تذكّر طلابها بمعايير النزاهة الدراسية، وأنّ هذه الأدوات "ستسلبهم مستقبلهم" إذا جعلوها تؤدي عنهم أعمالهم دون أن يطوروا هم مهاراتهم أولاً. 

 

يؤكد فوغان كونولي، الباحث التربوي، على أن المتعلمين الذين لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي سيكونون هم في الموقف الأضعف، مشيرًا إلى أنّ "هذا هو العالم الذي يعيش فيه الطلاب ونحن بحاجة إلى تثقيفهم حول هذا الموضوع بشكل صحيح، وإلا فإنهم سيبذلون وقتًا وجهدًا هائلين للتكيف مع بيئة عمل ستعتمد بدرجة كبيرة على الذكاء الاصطناعي".

 

يقول الدكتور جيديس إنّه من المهم بالنسبة للآباء هو أن يَفهموا - ويُؤكدوا - حقيقة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه بالفعل إنتاج محتوى يمكن اعتباره إنتاجًا بشريًا، ولكن إذا فعل الطلاب ذلك، فإنهم سيخسرون فائدة التفكير التي هي الأساس في التعلم. 

 

ويؤكد قائلاً "إنّ الطالب في العادة لن يطلب من زميله أداء الواجب المنزلي عنه، أليس كذلك؟ الأمر ذاته ينطبق على الذكاء الاصطناعي. فبدلاً من استخدامه على هذا النحو، يمكنهم أن يطلبوا منه اختبارهم في الأشياء التي يحاولون تعلمها أو تقديم تفسيرات إضافية للأشياء التي لا يفهمونها، وأن يستخدموه بطرائق يمكن أن تدعم تعلمهم حقًا".

 

مقالات يوصى بقراءتها:

 لماذا لن يحل الذكاء الاصطناعي محل المعلمين في المستقبل المنظور (ديلي بيست)

يمكن للذكاء الاصطناعي أخيرًا أن يحل المشكلة التي عانى منها التعليم منذ فترة طويلة (شركة فاست)

أربعة أشياء يريد عالم النفس التربوي أن تعرفها عن الذكاء الاصطناعي في الصف الدراسي (جامعة ويسكونسن ماديسون) 

الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون المساعد الدراسي الذي يحتاجه الطلاب المحرومون (ZDNet)