لدى جودي جاكسون هدف جريء: تغيير علاقة الأطفال بالأخبار كلياً. بعد أن أمضت أكثر من عقد في بحث واستكشاف كيفية تأثير الأخبار علينا، نشرت في عام 2019 كتابًا بعنوان "أنت ما تقرأ: لماذا يمكن لتغيير نظامك الإعلامي أن يغير العالم"، تلاه في عام 2020 كتابٌ للأطفال بعنوان "رافل الصغير والعالم الخارجي". وفي عام 2022، قدمت "ما وراء الأخبار الزائفة: كيف نتعافى من رؤية منقوصة للعالم" على مسرح TEDxLondon، والذي حصد أكثر من 10 آلاف مشاهدة.
ومنذ عام 2021، تقوم جودي ببناء مختبر محو الأمية الإخبارية، الذي يقدم برامج لمحو الأمية الإخبارية لـ"تمكين الشباب من خلال تزويدهم بالمهارات الأساسية لتصفح الأخبار في عالم اليوم".
إنها مجموعة مهارات تأتي في الوقت المناسب؛ حيث وجدت دراسة نشرتها جامعة أكسفورد في عام 2022 أن حوالي ثلث الشباب فقط في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عامًا يثقون في معظم الأخبار (مقارنة بأكثر من نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم فوق 55 عامًا)، وأن حوالي أربعة من كل عشرة من الأشخاص دون سن 35 يتجنبون الأخبار كثيرًا أو أحيانًا. ووجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد شملت 7,804 طالبًا من المدارس المتوسطة إلى الكليات أن 82% من طلاب المدارس المتوسطة لم يتمكنوا من التمييز بين إعلان موسوم بـ"محتوى مدعوم" وقصة إخبارية حقيقية على أحد مواقع الإنترنت.
وجد باحثون من جامعة ليفربول أن المشاركة في مختبر محو الأمية الإخبارية جعلت الطلاب "يشعرون بأنهم أكثر استعدادًا لتقييم مصداقية مصادر الأخبار"، وأن يكونوا "على دراية بتحيزاتهم وتحيزات المؤسسات الإعلامية". والأهم من ذلك، أنها ساعدت الطلاب أيضًا على الشعور بمزيد من الأمل بشأن العالم ودورهم فيه، مع التركيز على "الصحافة التي تركز على الحلول"، والتي تهدف إلى تقديم صورة أكثر اكتمالًا من خلال تسليط الضوء على الاستجابات والحلول المحتملة للقضايا.
تحدثنا إلى جودي لنعرف رأيها بشأن ما يحتاج الشباب إلى معرفته حول تصفح الأخبار، وكيف تُصنع الأخبار، وكيفية مساعدة الشباب على بناء نظام صحي للأخبار.
مثل الكثير من الناس، كانت لديكِ علاقة معقدة مع الأخبار. كيف أدى ذلك إلى إنشاء مختبر محو الأمية الإخبارية؟
عندما كان عمري حوالي 21 أو 22 سنة، لم يعد بإمكاني تحمل الأخبار. لقد جعلتني أشعر بالاكتئاب تجاه العالم وضاع أملي تجاه المستقبل، بسبب رؤية أمور فظيعة تحدث يوميًا. لذا قررتُ أن أنقطع عن متابعتها لكني وجدت أن ذلك كان شبه مستحيل لأن الأخبار موجودة في كل مكان وسوف تجد طريقها إليك سواء كان ذلك من خلال برنامج إذاعي، أو محادثة مع صديق، أو حتى وقوفك في طابور بالمتجر حيث يمكنك رؤية الصفحات الأولى. إنها في كل مكان. شعرت أن الانقطاع لم يحل حقًا المشكلة التي كنت أحاول حلها. لقد ساعد ذلك في تقليل المشاعر السيئة بعض الشيء، لكنه لم يجعلني أشعر بتحسن ملحوظ.
لذا بدأتُ موقعًا إلكترونيًا (لم يعد موجودًا الآن) يُدعى "يا له من أسبوع جيد"، والذي كان منصة تجميع للأخبار التي تُركز على الحلول. وقد شهدتُ تغييرًا عميقًا في نفسي بسبب تغيير نظامي الإعلامي إلى درجة أنني أردت فهمه بشكل أكثر دقة، لذلك عدت إلى الجامعة ودرست الماجستير في علم النفس الإيجابي، لأنني أردت فهم مفاهيم مثل الأمل، والتفاؤل، والمرونة، والنمو بعد الصدمة. لقد أردتُ فهم الشروط اللازمة لها، وتأثيرها. كان هناك قليل جدًا من البحوث في ذلك الوقت حول المحتوى الذي يُركز على الحلول، وهذا ما بنيتُ عليه أطروحتي.
لكن عندما ظهر كوفيد، أدركت أنه حتى مع كل ما تعلمته، لم أتمكن من أن أكون وسيطًا فعالًا بين أطفالي الثلاثة ومساحات المعلومات الخاصة بهم. لذا كتبتُ كتابًا للأطفال يتناول بعض هذه القضايا. بعد ذلك، أنشأتُ بعض الموارد لمعلمي الأطفال من سن 7 إلى 11 عامًا، وفي تلك اللحظة، أدركتُ أنني كنت أعلّم الشباب كيفية تكوين علاقة صحية مع الأخبار. كنت أعلمهم كيفية خلق فهم متوازن للعالم وتمكينهم من أن يكونوا قادرين على العمل في إطار هذا الفهم.
كيف يختلف عملك عن غيره من برامج محو الأمية الإخبارية؟
لقد أصبح محو الأمية الإخبارية يلقى تقديرًا أكبر أكثر كمُمارسة، لكن الكثير منه يمكن أن يكون أحادي البُعد وغير عملي إلى حد كبير. الكثير من برامج محو الأمية الإخبارية تتعلق إلى حد كبير بالأخبار الكاذبة، وتُثقل كاهل المستهلكين بمسؤولية التحقق من الحقائق والتحقق من صحتها بشكل مفرط. وهذا يمكن أن يكون غير مفيد، لاسيما أن الكثير من الناس ينفصلون عن الأخبار. لقد تعلمتُ خلال السنوات الخمس الماضية أن الأخبار الكاذبة ليست المُساهم الوحيد في تكوين وجهة نظر مغلوطة عن العالم. يحتوي منهجنا على عنصر الأخبار الكاذبة، لكننا ننظر أيضًا إلى التحيز السلبي، وصحافة الحلول، وننظر إلى علم النفس البشري لكي نفهم كيف تعالج أدمغتنا المعلومات وما هي التحيزات المُدمجة في أخبارنا.
ما هي المشكلة بالنسبة للأطفال في طريقة تقديم الإخبار؟
للتحيز السلبي دور هائل في تقديم الواقع بشكل خاطئ وخلق منظور مشوه ومحبط ومنفصل. هناك العديد من العواقب الضارة للتركيز بشكل رئيسي على المشاكل. من الجيد أن نشعر بالقلق، والخوف، والغضب، والاستياء، لكن المشكلة هي أننا نشعر فقط بهذه المشاعر ولا نجمعها مع التفاؤل، والأمل، والقدرة على التصرف، والترابط، وبالتالي نبقى في هذه الحالة المُثقلة والمعزولة، وهذا ليس مفيدًا لنا أو للمجتمع.
تخلق الأخبار هذا الشعور الهائل بالإلحاح، لكن عندما يكون لديك إلحاح دون شعور بالقدرة على التصرف، تشعر بالإرهاق. إن هذا يؤدي إلى نوعٍ من الشلل التشاؤمي، شعور بأنك عالق. نحن نعرف ما هي المشكلة، لكن نتصرف حيالها؟ كيف ندفعها إلى الأمام؟ هل هناك من يفعل شيئًا لمعالجتها بنجاح؟ تخلق الأخبار المركزة على الحلول إمكانيات واحتمالات، وهذا لا يحسن مزاجك فحسب، بل يغير من طريقة تفكيرك ويوسع خياراتك وقدراتك.
لا يكفي أن يروي لنا الصحفيون قصصًا عن المشاكل على أمل أن نتغير، فنحن أيضًا بحاجة إلى حلول لمساعدتنا على التغيير. وفي حين أن هذا مطلوب، فغالبًا لا يتم توفيره لأن معظم المؤسسات الإخبارية الرئيسية ليست مصممة حاليًا لتقدم قصصًا حول الحلول. لحسن الحظ، هناك بعض المنظمات الرائعة ذات الموارد الجيدة التي يمكن أن تقدم أخبارًا عالية الجودة ترتكز على الحلول.
ما هي بعض المشاكل المتعلقة بالأخبار الموجهة نحو الحلول؟
المشكلة الرئيسية هي أنها تُنفّذ بشكل سيء. لا يزال هذا النوع من الصحافة يُفهَم بشكل خاطئ ويُطبق بشكل ضعيف. لكن هناك بعض المنظمات المذهلة التي لها الريادة وتخلق إطارات عمل رائعة مثل شبكة صحافة الحلول.
في عالم مليء بالمشاكل، هل هناك ما يبرر التركيز على الإيجابية؟
نعم، لأن المشاكل والحلول تتواجد معًا. في الواقع، من المضلل أن يتم فقط سرد قصة عن عالم يعيش أزمة لأن ذلك يخلق تصورًا مشوهًا للواقع. إنه يقدم صورة خاطئة. ونتيجة لذلك، يصبح الكثير من الناس مضللين ومحبطين. ليس هذا فحسب، بل إن التعلم من كيفية استجابة المجتمعات بنجاح للمشاكل يوفر معلومات حاسمة تساعدنا على تحديد الإجراءات الفعالة وتنفيذها بشكل أفضل، وهو ما يمكن أن يساعدنا على الاستجابة بشكل أفضل.
ما مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على هذه المشكلات؟
تُعد منصات وسائل التواصل الاجتماعي من أقل الأماكن موثوقية للحصول على المعلومات لأنها مصممة لجذب انتباهنا، وليس لتزويدنا بالمعلومات: وجدت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأخبار الزائفة تنتشر بسرعة تزيد ست أضعاف عن الأخبار الحقيقية على تويتر. يجب علينا أن نفهم أن هذه المنصات مُصممة بطريقة تجعلها محفوفة بالمخاطر.
يمكن للوعي أن يفعل الكثير. إن إدراك أن الخوارزميات موجودة وفهم كيف تعمل يعني أننا يمكن أن نفكر في كيفية إدخال أدوات أكثر موثوقية وهندسة الأمور بحيث نحصل على المزيد مما هو جيد لنا ونقلل مما هو ضارٌّ بنا. كمية المحتوى المنتجة لا نهائية، لكن وقتنا محدود. لذا إذا أدخلنا بعض العادات الجيدة فيمكننا وضع أسس جيدة ستزيل بشكل طبيعي بعض الأشياء السيئة على أي حال.
وما نوع التأثير الذي تلاحظينه على الطلاب؟
أبدأ الدورة بالقول إننا سنُجيب عن ثلاثة أسئلة رئيسية: ما هي الأخبار، لماذا لدينا أخبار، وكيف نستخدمها؟ لكن قبل كل ذلك، نستكشف تأثير الأخبار عليهم شعوريًا. وكانت إجابات الطلاب بأشياء مثل التشاؤم، القلق، اليأس، التوتر، القلق، الخوف، الغضب وما إلى ذلك. هذه هي نقطة انطلاقهم. وعندما ينتهون من الدورة، يطرحون كلمات مثل الأمل، التفاؤل، السعادة، الثقة، نوع مختلف تمامًا من المفردات.
إحدى أكبر المجالات التي تثير اهتمامهم هي المناخ، وهو يظهر مرارًا وتكرارًا. يقول الطلاب إنه من الجيد رؤية المزيد من الأخبار المبنية على الحلول، بدلاً من كل السلبية التي تحيط بالبيئة. من القوي أن نرى إمكانية حدوث تقدم، وأنه يحدث في مكان ما.
يعتقد الناس أنك إذا كنت تهتم فسوف تتصرف. اعكس ذلك، إذا تصرفت، فسوف ستهتم. الشيء الآخر الجيد حقًا حول التصرف هو أنه يساعد في التغلب على مشاعر القلق، لأن القلق هو شعورٌ تجاه مستقبل غير مرغوب فيه، غالبًا ما يجتمع مع شعور بنقص السيطرة. لكن إذا قمت بتصرف ما حياله، فإن ذلك يجعلك تعيش الحاضر ويمنحك شعورًا بالسيطرة.
ما النصيحة التي تقدمها للآباء حول محو الأمية الإخبارية؟
يجب أن تكون حذرًا بشأن كيفية الحصول على الأخبار المُرتكزة على الحلول، لأن هناك فرقًا بين الصحافة عالية الجودة التي تساعدك حقًا على فهم كيف يتم التعامل مع القضايا وتمدّك بالإلهام والتمكين، وبين النوع الرديء منها، والذي يعتبر من نوع التمجيد البطولي الذي يبدو كما لو كان يقدم حلولًا، لكنه ليس كذلك.
أفضل نشرة إخبارية وجدتها هي نشرة تسمى Future Crunch، إنها مصدر رائع للصحافة المُركزة على الحلول، وهناك منظمة تسمى Pique Action تُركز حصريًا على المحتوى الموجه نحو الحلول. هناك بودكاست يسمى People Fixing the World، وتطبيق يسمى Squirrel News. لديّ هذه الروابط محفوظة في الصفحة الرئيسية لديّ بحيث إذا أردتُ الاطلاع على الأخبار، أعرف بالضبط إلى أين أذهب.
إذا اعتمدتَ بعض هذه الممارسات كأب أو أم، ستكون قادرًا على قيادة هذه المحادثة بمزيد من الأصالة لأن هذا سيكون متوفرًا لديك أنت أيضًا. عندما تشترك في الأخبار المُرتكزة على الحلول، ستمنحك منظورًا مختلفًا عن العالم - ليس بحماية نفسك من المشاكل - ولكن بالسماح لنفسك برؤية ما هو ممكن في وجودها. سيخلق ذلك تحولًا في فهمك وصحتك النفسية، وستكون قادرًا على إيجاد مساحة لطفلك.
We use cookies to improve your online experiences. To learn more and choose your cookies options, please refer to our cookie policy.